‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات ورسائل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات ورسائل. إظهار كافة الرسائل

4 نوفمبر 2015

القواعد التى تدور الأحكام عليها




القواعد التى تدور الأحكام عليها
إعداد
دكتور كامل محمد عامر
مختصر بتصرف
من كتاب
أربع قواعد تدور الأحكام عليها
ضمن مؤلفات الشيخ
محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي
(المتوفى: 1206هـ)
1433هـ ــــ 2012م
(الطبعة الأولي)
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور الأحكام عليها وهي من أعظم ما أنعم الله تعالى به على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، حيث جعل هذا الدين ديناً كاملاً وافياً ؛ ومما ينبغي التفطن له قبل معرفة القواعد الأربع أن تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ " [البخاري: كِتَاب التَّعْبِيرِ؛ بَاب الْمَفَاتِيحِ فِي الْيَدِ] قال إمام الحجاز محمد بن شهاب الزهري: معناه أن الله يجمع له المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة.
القاعدة الأولى
تحريم القول على الله بلا علم
لقوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33].. وقال تعالى:{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:169]
القاعدة الثانية
كل شيء سكت عنه الشرع فهو عفوٌ لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكره
لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته { وما كان ربك نسيا } ". (السلسلة الصحيحة 2356 ج5 /235).
القاعدة الثالثة
ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ والضلال
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }[آل عمران 7] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ" [البخارى:كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ؛بَاب { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ }] فالواجب على المسلم اتباع المحكم، واتباع الراسخين فى العلم في قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
القاعدة الرابعة
الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات
عن النعمان بن بشير قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،‏"‏[البخارى: كِتَاب الْإِيمَانِ؛بَاب فَضْلِ مَنْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ]. ‏‏فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى قد أخبر بأن المتشابهات التي بين الحرام البين والحلال البين لا يعلمها كثير من الناس فكان ذلك فضلاً لمن علمها. وقال تعالى:} أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً {[النساء 82]فمما لا شك فيه أن الذي نهى الله عز وجل عن تتبعه هو غير الذي أمر بتتبعه وتدبره والتفقه فيه.
هذه الكلمات الإربع مع اختصارهن يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في غير ذلك من أنواع علوم الدين.
تطبيقــــات
أحكام المياه
قال البعض:الماء كله طهورإلا ما تغير بنجاسة أو خرج عنه اسم الماء كماء الورد ونحوه.
وقال آخرون: الماء ثلاثة أنواع: طهور و طاهر ونجس والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ" [مسلم: كتاب الطهارة؛بَاب النَّهْيِ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ]، فالماء بهذا اصبح مستعملاً فلولا أنه يفيد المنع من التطهر به لم ينه عليه السلام من الاغتسال فيه ودليل آخر أنه لو وكل انسان رجلاً في شراء ماء فاشترى ماء مستعملاً أو متغيراً بطاهر لم يلزمه قبوله، فدل على أنه لا يدخل في الماء المطلق.
قال الأولون: النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يغتسل الرجل في الماء الدائم" [مسلم: الطهارة ]، وإن عصى وفعل فالقول في الماء مسألة أخرى لا تَعَرُّضَ لها في الحديث لا بنفي ولا إثبات، وعدم قبول الموكل لا يدل، فلو اشترى له ماء من ماء البحر لم يلزمه قبوله; ولو اشترى له ماء متقذراً طهوراً لم يلزمه قبوله، فانتقض ما قلتموه، فإن كنتم معترفين أن هذه الأدلة لا تفيدكم إلا الظن وقد ثبت أن "الظن أكذب الحديث" [البخاري: كِتَاب الْأَدَبِ؛ بَاب مَا يُنْهَى عَنْ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ] فقد وقعتم في المحرم يقينا أصبتم أم أخطأتم لأنكم أفتيتم بظن مجرد، فإن قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } [النساء: 43] كلام عام من جوامع الكلم،فكلمة الماء هنا عامة فإن دخل فيه هذا الماء الدائم الذى أُغْتَسِلَ خالفتم النص وإن لم يدخل فيه وسُكِتَ عنه فهو عفو لا يحل الكلام فيه; وعصيتم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة : 101]. الآية، وكذلك إذا تركتم هذا اللفظ العام الجامع مع قوله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور لا ينجسه شيء"[وأبو داود: الطهارة (66) قال الشيخ الألباني : صحيح سند الحديث] ، وتركتم هذه الألفاظ الواضحة العامة، وزعمتم أن الماء ثلاثة أنواع بالأدلة التي ذكرتموها وقعتم في طريق أهل الزيغ في ترك المحكم واتباع المتشابه.
فإن قلتم لم يتبين لنا أنه طهور، وخفنا أن النهي يؤثر فيه، قلنا قد جعل الله لكم مندوحة وهو الوقف وقول لا أدري وإلا ألحقوه بمسألة المتشابهات التى لا يعلمها كثير من الناس، وإما الجزم بأن الشرع جعل هذا طاهراً لا مطهر فقد وقعتم في البحث عن المسكوت عنه، واتباع المتشابه وتركتم قوله: صلى الله عليه وسلم "وبينهما أمور مشتبهات" ‏"‏[البخارى: كِتَاب الْإِيمَانِ؛ بَاب فَضْلِ مَنْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ]. ‏‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ" [مسلم: كتاب الطهارة؛ بَاب النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ]
قالوا:إن الماء الكثير ينجسه البول لنهيه عليه السلام عن البول فيه.
فيقال لهم: الذي ذُكِرَ, النهي عن البول فيه ، وأما نجاسة الماء وطهارته فلم يتعرض لها الحديث، وتلك مسألة أخرى يستدل عليها بدليل آخر وهو قوله في الكلمة الجامعة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وهذا ماء وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الماء طهور لا ينجسه شيء" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وقال الشيخ الألباني: صحيح [جامع الترمذى 1/95 رقم الحديث66]
فمن ترك هذا المحكم وأفتى بنجاسته معللاً بنهيه عن البول فيه، قد ترك المحكم واتبع المتشابه، ووقع في القول بلا علم لأنه لا يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد نجاسة الماء لما نهى عن البول فيه، وإنما غاية ما عنده الظن. فإن قدرنا أن هذا لا يدخل في عموم الماء فى قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وتكلم فيه بالقياس فقد خالف قوله: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } [المائدة: 101]؛ وإن علل بقوله: لا يبين لي دخوله في العموم، وأخاف لأجل النهي عن نجاسته، قيل: لك مندوحة عن القول بلا علم; وهو إلحاقه بالمتشابهات.
رد مع اقتباس

6 نوفمبر 2014

أثر العقيدة في علاج مشكلة الانتحار


أثر العقيدة في علاج مشكلة الانتحار

                         



حقاً، إن الإنسانيّة كلّها مدينةٌ للإسلام بمنهجه وعقيدته، وآدابه وقيمه، واسأل أي مُنصفٍ من الباحثين، سيُخبرك كيف كانت العقيدة الإسلاميّة شمساً تسطع على الكون فتُبدِّدَ ظلام الجاهليّة، وتزيل أقنعة الوهم والخرافة، على نحوٍ لا يملك من كان عادلاً في أحكامه إلا أن يعترف بالعظمة والرفعة لها، دون غيرها من المناهج الأرضيّة.
وإن دائرة الدلائل على هذه الرفعةِ والكمال العقديّ واسعةٌ للغاية باتساع متعلّقاتها ومسائلها وأحكامها، ونريد ها هنا أن نسلّط الضوء على مسألةٍ خاصّةٍ طالما اكتوتْ الحضارة المعاصرة بنارها، واشتكتْ من آثارها وأخطارها، لا سيما وقد دخلتْ تلك المسألة مُعترك المعتقدات –كما هو عند الشعوب اليابانيّة، إنها مسألةُ الانتحار وإشكاليّته، وسنرى في الأسطر القادمة حجم هذه الأفعال المشينة التي يعجز القلم عن تصوير بشاعتها، ليقودنا ذلك إلى إدراك كيف نجحت العقيدة الإسلاميّة بصفائها ونورها، وقوّتها وصلابتها، أن تحمي أتباعها من الوقوع في حبائلها.

الانتحار والواقع المأساوي
لم يكن الحديث عن الانتحار كمشكلةٍ حضاريّة إلا حديثاً عن حوادث متفرّقة مبثوثةٍ على مسار التاريخ الإنساني، ولا تكاد ترقى أن تكون مشكلةً مستمرّة تُرى آثارها في الواقع الملموس.

أما اليوم فتبرز أمامنا إشكاليّة الانتحار في المجتمعات المتحضّرة والهرب من جحيم تلك الحضارة وويلاتها، فقد بلغت حداً من الانتشار، أصبحت فيه –كما يرى علماء النفس والاجتماع- صرعةً غربية!، فالواقع السريع للتطور التكنولوجي المتلاحق، والاتجاه الشرس نحو الماديّة المفرطة، وتفكك الروابط والعلاقات الاجتماعية والأسرية، كلّ ذلك أوجد إحساساً بالضياع، وأوجد أزمة هويّةٍ لدى الشباب والمراهقين في بلاد الغرب، بما يُهدّد بحدوث انهيار نفسي وجماهيري.

ونقول: إن مشكلة التخلّص من الحياة على وجه العمد لأسبابٍ اجتماعيّةٍ أو أسريّة أو عاطفيّةٍ هي من بلايا العصر الحديث التي استفحلت في الآونة الأخيرة، وباتت تشكّل ظاهرةً تسترعي الانتباه، ولا شكّ أنها تصرّفٌ سلبيّ وخاطيء بكل المقاييس، ناهيك عن منافاتها للقيم الإيجابيّة والفاعليّة المطلوبة، والتي دعا إليها الإسلام وحضّ عليها، ثم إن الضرر الحاصل من إنهاء الإنسان لحياته لهو أكبر من مجرّد فقدان حياةٍ كان يُمكن أن تكون لبنةً صالحةً في المجتمع، ولكنّ الخشية في تأثير هذه الروح المنهزمة إلى الغير فتتفشّى في الوسط المحيط ويُنظر لهذه الفعلة القبيحة بنظرةٍ التقبّل لدوافعها، ومن ثمّ يقلّ النكير أو الاستهجان لها، وفي ظلّ الماديّة الجوفاء يزداد حجم هذه المشكلة فقد يتطوّر الأمر إلى السماح بممارستها وقانونيّة الدعوة إليها، كما هو حاصلٌ في بعض المجتمعات الغربيّة.

إن هذا الإحساس بالضياع الذي يعيشه مراهقوا الغرب أوجد نزعةً نحو التخلص من مشاكل الحياة المادية باللجوء إلى الانتحار، فقد أجرت (مجلة المراهق) الأمريكية مسحاً بين عيّنةٍ من الصبية والفتيات في فئة السن بين 15 و 19 عاماً لاستطلاع مشاعرهم تجاه ظاهرة الانتحار المتزايد في المجتمع الأمريكي، وقد شارك في المسح أكثر من (500) صبي وفتاة، وجاءت نتيجة المسح المفزعة لتقول: إن الثلث ممن وجِّهت إليهم الأسئلة حاولوا فعلاً التخلص من حياتهم بعد أن استسلموا لليأس والقنوط، ولقد رُوعي في تكوين واختيار تلك العينة أن تكون مُمثلةً لواقع المجتمع الأمريكي بجميع أطيافه، وينتهي المسح أيضاً إلى أن 73% من الشباب والمراهقين فكَّروا في الإقدام على الانتحار مرة على الأقلّ خلال حياتهم.

ويشير الاستطلاع إلى ظاهرة خطيرة أخرى، وهي أن غالبية من حاولوا الانتحار هم من الفتيات، في أخطر مراحل العمر وأحوجها إلى الجو النفسي الأسري، وذلك عند رفضها أو عجزها عن دفع تكاليف سكنها ومعيشتها! .
وما هذه الإحصائيّة التي قامت بها المجلّة المذكورة إلا عيّنة مختارة تكشف لنا بجلاء طبيعة مشكلة الانتحار وأثرها وتداعياتها، والعيّنة كما يُقال: بيّنة.

والناظر إلى هذه الظاهرة يجد أن الإحساس بالوحدة يدفع إلى التفكير في الانتحار، وكذلك الانزعاج والاستياء من المظهر الشخصي للمرء يُزَهِّده في حياته، ويدفعه إلى اليأس والقنوط ، ومما يزيد الطين بِلَّةً أن الشخصية الانتحاريّة لا تجد من تفضي إليه بمكنوناتها وإحباطاتها إلى حين زوال الغُمة وانفراج الأسارير، وفي ذلك تقول نتائج المسح: أن ربع من فكروا أو أقدموا على الانتحار فعلوا ذلك بعد أن خاب أملهم في وجود من يُسرّون إليه بمعاناتهم.

وبسبب الأوضاع النفسية السيئة، والخوف الدائم من الموت، فإن معدلات الانتحار بين الشباب الأمريكي أكثر من معدلات الانتحار في أوروبا الغربية بنحو 20 ضعفاً، وأكثر منها في اليابان بأربعين ضعفاً.

نجاح العقيدة الإسلاميّة في حل هذه المشكلة

إن الحديث عن الحل لمشكلة الانتحار والذي قدّمته العقيدة الإسلاميّة يتجاوز العلاج الظاهري لها، ويقودنا إلى جذورها ومنطلقاتها، فالأمر يتجاوز الممارسة الخاطئة، وبدايات الخلل تكمن عند نظر المقدمين على الانتحار إلى عبثيّة الحياة وعدم فهم سرّ الوجود وغايته، وهذه المسألة تلقي بظلالها النفسيّة السلبية على صاحبها فتقوده إلى الانتحار، والحق أن الإسلام قد كوّن التصوّر الصحيح لأسباب وجود الإنسان في الحياة، وبيّن أنها انتقالٌ من دار مؤقّتة إلى دارٍ توصف بالحياة الكاملة الدائمة، ولذا جاء وصفها في القرآن بالحيوان، قال سبحانه وتعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} (العنكبوت:64) ، فالآخرة هي الحياة الدائمة التي لا زوال لها، ولا انقطاع ولا موت معها.

وإذا كانت الحياة الدنيا ليست سوى مجرّد محطّة مؤقّتة يوشك المرء أن يُغادرها، كان من الطبيعي أن يكون ما بين الدارين ذلك التباين الهائل والفرق الشاسع، فإذا كانت الحياة الدنيا زهرةٌ نضرة، وليس للزهرة دوام بل مصيرها إلى الذبول، فالآخرة وما أعدّه الله للمتقين هي الحياة التي تستحقّ أن يُقلق لأجلها، وأن تكون مقصداً لكل عاقل، ولا أسف على الدنيا ولا حُزن على ما فات منها، فعند الله عز وجل العِوَض الوافي.

والدار الآخرة –كما يقول أهل التفسير- هي دار {الحيوان}، أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدّة، لأنها أبدانٌ وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجوداً فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال –صلى الله عليه وسلم-: (يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله، ما أطلعتم عليه) ثم قرأ: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة: 17) رواه البخاري، فإذا تفكّر من أراد الانتحار بهذه الحقيقة، علم أن الدنيا أصغر وأحقر من أن يُزهق روحه لأجلها، أو أن يُفسد حياته ويُنهي وجوده ويقطع باب العمل للآخرة بسببها.

لقد أحال الإسلام قضية الموت التي صورتها الآداب الجاهلية منذ زمن الإغريق والرومان وحتى حضارة الغرب المعاصرة بشكلٍ مأساوي رهيب، إلى مجرّد انتقال وتحول إلى حياةٍ من نوع جديد تتميّز بالراحة والسعادة، والخلود للمؤمنين، وفيها تحقيقٌ لأحلامهم التي لم يجدوا سبيلاً لتحقيقها في الحياة الدنيا، وليس في الإسلام مكانٌ لفكرة العبث الوجودي والتي جعلت الكثيرين ينهون حياتهم بالانتحار؛ لعدم اقتناعهم بجدوى الحياة ومكابدة صراعاتها، ولانتقاء الغاية منها في عقولهم وضمائرهم، فالإسلام حدد الغاية ونفى العبثية، وطرد الضياع، فحل مشكلةً وجدانيّةً وعقليةً خطيرة أقلقت الناس الذين عاشوا ويعيشون في الأطر الجاهلية، قال الله سبحانه وتعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون* فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} (المؤمنون:115-116).

يقول صاحب الظلال: "فحكمة البعث من حكمة الخلق. محسوب حسابها، ومقدر وقوعها، ومدبّر غايتها، وما البعث إلا حلقة في سلسلة النشأة، تبلغ بها كمالها، ويتم فيها تمامها، ولا يغفل عن ذلك إلا المحجوبون المطموسون، الذين لا يتدبرون حكمة الله الكبرى وهي متجلّية في صفحات الكون، مبثوثة في أطواء الوجود".

وعندما يتوصّل الناس إلى هذه الفكرة وتتضّح لديهم، فإن نظرتهم إلى الحياة ومعناها ستختلف بالتأكيد، لنستمع إلى تجربة الفيلسوف تولستوي Tolstoyإذ يقول: "لما قضيت الخمسين من عمري سألت الحكماء الذين عرفتهم عن كوني الخاص وعن معنى حياتي، فكان الجواب أنني عبارة عن ذرات اجتمعت ببعضها، وأن حياتي خلو من المعنى، بل إنها رديئة، فداخلني اليأس من هذا الجواب، وكاد يحملني على الانتحار، ولكنني ذكرت حالتي في عهد الطفولية حينما كان الإيمان راسخًا في قلبي، وكان للحياة معنى عندي، ثم نظرت فرأيت جمهور الناس حولي راضين بالإيمان، ولم يبطرهم المال فيجرّهم إلى الفساد؛ فلذلك يعيشون عيشة حقيقية مملوءةً بالمعاني".

فانظر كيف قادت العبثيّة هذا الفيلسوف إلى الشعور بالضياع وعدم الجدوى من الحياة، ثم كيف تبدّلت حياته حينما استصحب الإيمان، مع إيماننا بأن نظرته إلى الإيمان هنا كانت نظرةً نسبيّة وقاصرةً، لم تقده إلى الإيمان الكليّ، ولكنها قاربته من حقيقة الإيمان والغائيّة في الخلق، فانفرجت أساريره بمقدار هذا النزوع اليسير إلى الإيمان الصحيح.

وثمّة جانبٌ آخر من دوافع الإقدام على الانتحار، وهو نابعٌ من تصوّر أن الإنسان له الحق في إنهاء حياته بيده، وأن روحه التي بين جنبيه هي ملكٌ خالصٌ له، وهذا النظرة القاصرة هي التي جعلت الكثيرين من أصحاب المذاهب الماديّة يُدخلون مسألة الانتحار في إطار الحريّة الشخصيّة، والحقّ أن الروح هي ملك لله، وهو الذي هيّأها وخلقها لمقصدٍ معيّن، فأيّ تصرّف في النفس بغير إذن مالكها سبحانه وتعالى هو تعدٍ على حقّ الخالق وتصرّفٌ غير مأذونٍ به، ويمكن استلهام هذا المعنى من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(كان برجل جراح، فقتل نفسه، فقال الله سبحانه وتعالى: بدرني عبدي بنفسه؛ حرّمت عليه الجنة) رواه البخاري، أي: استعجل الموت ولم يصبر حتى أقبِضَ روحه من غير سبب منه.

إن الأمل بالله عز وجل والرجاء بفضله ورحمته، وحسن التوكل عليه والإنابة عليه، نابع من الإيمان بالله الذي يمنع اليأس والقنوط، وإن الإحساس بالكآبة والضياع، أو التمرّد والعبث، أو الانقلاب عن عبادة الله عز وجل إلى عبادة سواه هو نتيجة لعدم الإيمان؛ قال تعالى: {ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون} (هود:123)؛ لذلك كان اليأس من صفات الكافرين: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف:87).

وقد صوّر القرآن الكريم حالات اليأس المستبد بالإنسان عندما يقطع صلته بالله ويفقد إيمانه برحمته، فكأنه لا يجد بعد ذلك ما يفعله إلا أن يمدّ حبلاً إلى الأعلى فيشنق به نفسه ليذهب غيظه، ولكن روحه تزهق ولا يذهب غضبه ويأسه، قال الله سبحانه وتعالى: { من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ } (الحج: 15).

وإذا كان المقدم على الانتحار شخصٌ قُتل الطموحُ في نفسه، ففقد الأمل في علاج المشكلات التي يواجهها في حياته، فإن صاحب العقيدة الإسلاميّة لا ييأس من روح الله، يوقن بأن الله سبحانه وتعالى الذي ما أنزل داءً إلا وجعل له دواء، يؤمن كذلك بأن للمصائب والنوازل مفاتيح فَرَجٍ لأبوابها المغلقة، لا يستفتحها إلا من اتقى ربّه جلّ جلاله : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} (الطلاق:2-3) فبالله سبحانه وتعالى يندفع المحذور، ويحصل المأمول، وتُحلّ العقد، وتنكشف الغمّة.

وإلى اليائسين من روْح الله، الذين تفصّمت لديهم عُرى الصبر الجميل، ولم يروا لهم مخرجاً ومنجاةٍ من عذابات الدنيا إلا بإزهاق الروح وإنهاء الارتباط بالدنيا انتحاراً وهروباً من المواجهة، تبرزُ آيةٌ كريمةً لتبدّد هذه المشاعر القاتمةِ وتُحيلها هباءً منثوراً: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما* ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} (النساء:29-30) ؟

فالله جلّ جلاله أرحم بعبده المؤمن من نفسه؛ فينبغي له الرضا عن الله سبحانه وتعالى في مرضه وصحته، وألا يتّهمَ قدَرَه، ولا يسأله الوفاة عند ضيق نفسه بمرضه، أو تعذّر أمور دنياه عليه.

إن اعتداء الإنسان على نفسه ومباشرته لإزهاق روحه ليست حريّةً شخصيّة كما يزعم المنظّرون للحضارة الغربيّة المعاصرة، ولكنّها جريمةٌ كبرى، واعتداءٌ صارخ، وتصرّفٌ فيما لا يملكه الإنسان بغير وجه حقّ، والحقّ أن الحياة ملكُ الله وكذا الروح والنفس، إنما هي وديعةٌ إلهيّةٍ حُدّد لنا أوجه التصرّف فيها، ولذلك كان الانتحار جريمةُ شنعاء بل هي من كبائر الذنوب،كما هو واضحٌ من النصوص الشرعيّة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: ( من تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن تحسّى سمّاً فقتل نفسه، فسّمه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلّداً فيها أبداً) متفق عليه، والوجأ: ضرب البطن بآلةٍ حادة كالسكّين.

ولمّا كانت الأقدار مخبّأة، والمرء لا يدري كيف تؤول الأمور، ويخشى على نفسه الجزع وعدم الصبر، يأتي التوجيه النبويّ بتفويض أمر الموت والحياة إلى الله سبحانه وتعالى في الاختيار بما هو الأصلح للعبد، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( لا يتمنّينّ أحدكم الموت من ضرٍّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي) متفق عليه.
يقول الإمام النووي معلّقاً: " فيه التصريح بكراهة تمنّي الموت لضرٍّ نزل به من مرضٍ، أو فاقةٍ، أو محنةٍ من عدو، أو نحو ذلك من مشاق الدنيا".

وبهذا التناغم بين مُفردات العقيدة الإسلاميّة الصافية، بما تدعو إليه من التوكّل على الله والاستعانة به، والإيمان بحكمته الشاملة، واليقين بأقداره وصلاحها للعباد، ، تبرز الحكمة الرائعة، والرؤية الثاقبة، والمنطق الرزين، للعقيدة الإسلاميّة، ونجاحها في القضاء على هذه الظاهرة.

الرحلة عبر الزمن..تحت مجهر المعتقد!

 
الرحلة عبر الزمن..تحت مجهر المعتقد!
 



حلمٌ لذيذ، وفكرةٌ داعبت الخيال البشري، كانت بحق: منبعاً للكثير من القصص والروايات، والحوارات والندوات، وسبباً لإخراج عددٍ هائل من المنتجات الإعلاميّة التي كان محورها وقُطْبُ رحاها: فكرة السفر عبر الزمن.
والصورة النَمَطيّة لهذه الفكرة: أناسٌ يركبون مركبةً فضائيّةً خاصّة تُسمّى: (آلة الزمن!) يعبثون بعددٍ من الأزرار، فإذا بهم ينتقلون إلى حضاراتٍ مستقبليّة بكل تطوّرها وحداثتها، ثم يعبثون مرّةً أخرى ليغوصوا في الزمن الماضي، حيث لا حضارة ولا تطوّر، ولم تزل هذه الفكرة الخياليّة هي الصورة السائدة في أدبيّات المُنتجات الدراميّة الفنيّة حتى يومنا هذا.

أصل الفكرة ومنشؤه

أصل هذه الفكرة جاءت عبر العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين Albert Einstein ووُلدت من رَحِم نظريّته الشهيرة: النظريّة النسبية الخاصّة، وتتضح فكرة السفر عبر الزمن من خلال ما اصطلح عليه علماء الفيزياء بمعضلة التوأم الشهيرة twin paradox، فما هي هذه المعضلة؟ وما علاقتها بالفكرة؟

تفترض هذه المعضلة وجود أخوين توأمين، لهما ذات العمر وليكن ثلاثين عاماً، سنتخيّل أن التوأم (ب) قرّر السفر نحو الفضاء بمركبةٍ خياليّةٍ تنطلق بسرعةٍ هائلة تقارب سرعة الضوء، بينما يبقى التوأم (أ) على الأرض، التوأم (ب) انطلق بسرعة تقترب من سرعة الضوء مدّة عامٍ كاملٍ في الذهاب ومثلَها في العودة، ليعود بعدها إلى النقطة التي انطلق منها، ويبرز السؤال المتعلّق بالأخوين جميعاً: كم سيكون عمرهما في لحظة اللقاء؟

الأمرُ واضحٌ تماماً بالنسبة للأخ المسافر، فإنه استغرقَ عامين كاملين في رحلته الخيالية، وهذا يجعل من عمره اثنان وثلاثون عاماً، لكن ماذا عن التوأم (أ) والذي بقي ثابتاً على سطح الأرض؟

الحالُ أن الزمن يتباطأ بزيادة السرعة بالنسبة للتوأم (ب)، بحيث أن شعور هذا التوأم بالزمن سيقِلّ بمقدار 10 أضعاف –على سبيل المثال- لما يشعر به التوأم (أ) على الأرض، بحيث أن العشرة أيام التي يقضيها في الفضاء تُعادل يوماً واحداً فقط من أيام التوأم (ب)، وبالعكس: فإن يوماً واحداً من أيام التوأم على الأرض تعادل عشرة أيامٍ من أيام التوأم في الفضاء، وبالنتيجة: سيصل التوأم (ب) إلى الأرض وعمره اثنان وثلاثون عاماً، ليجد أخاه وعمره خمسون عاماً!.

وبموجب هذه المفارقة الشعوريّة للزمن بين الأجسام المختلفة تبعاً للتباين الحاصل في السرعة بينهما عند الاقتراب من سرعة الضوء، ستساعد هذه النسبيّة في تفاوت الحاجز الزمني –بحسب زعم من يُناصر فكرة السفر الخيالية-، وهذا هو الأصل الأوّل لفكرة الانتقال عبر الزمن.

ثم نأتي إلى الأصل الثاني للفكرة: وهو ما يُسمى بالانتقال خلال أحد الثقوب الدودية wormhole عبر نسيج الزمكان، ويقصدون به وجود نسيج حقيقي في الكون يتداخل فيه البعد الزماني مع الأبعاد المكانية الثلاثة: الطول والعرض والارتفاع x y z، ومن استطاع دخول هذا الثقب، أمكنه أن يُسافر عبر الزمن إلى الأمام أو إلى الخلف!، نحو المستقبل مهما كان بعيداً، أو في الماضي وإن كان سحيقاً، ومن لوازم هذه الفرضيّة أن يُصبح للزمان وجود ماديّ نستطيع أن نُدركه بأبصارنا وأسماعنا وبقيّة حواسّنا، وليس مجرّد الشعور بالزمن وبانقضائه!.

دوافع رواج فكرة السفر عبر الزمن

مما يُذكر في هذا المقام: أن من دوافع رواج فكرة السفر عبر الزمن، الدافع النفسانيّ الذي لا يمكن إغفاله، فالبعض يمرّ بمعضلاتٍ ومشكلاتٍ وويلاتٍ في حياته، فيتمنّى لو لم يحدث له ذلك، أو أنه يتجرّع كأساً مريرةً صنعتْها قراراته الخاطئة، واختياراتُه غير الموفّقة، فيقول في نفسه: "لو أنّي فعلت كذا لكان كذا وكذا"، ثم توافقُ فكرة السفر عبر الزمن لتغيير ذلك كلّه هوىً في نفسه، باعتبار أنها فرصةٌ حقيقية لتصحيح المسار –في الماضي-، وتغيير ما كان قد ندم على فعله في السابق!.

أما في المستقبل: فنشوة معرفة ما تؤول إليه الحضارة الإنسانيّة في مستقبل الأيام، وكيف سيكون حال الأمم والشعوب والمخترعات، وخارطة العالم كيف ستكون؟ وماذا عن جغرافيّته؟ إلى غيرها من الأسئلة الحالمة التي دفعت شركات الإنتاج السينيمائي دفعاً إلى تغذيةِ هذه الحاجة الشعوريّة بالعديد من الأفلام الخيالية والمسلسلات المستمرّة.

ولا يخفى على القاريء ما هو حاصلٌ في هذه الدوافع من منابذةٍ للمنهج الإسلامي الذي يدعونا إلى مواجهة المشاكل بقوّة وثبات: {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان:17)، لا الهروب من الواقع إلى الخيال أو تغييب العقل بما لا يفيد، ولنا في كلام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خير واعظٍ للنفس إذْ يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.

ولن نغوص أكثر في التعريف بالجذور التاريخيّة لنشوء هذه الفكرة وتطوّرها، والتنويه بمناصريها من علماء الطبيعة؛ لارتباط هذه المسألة بالعديد من المعادلات الرياضيّة والتصوّرات الفيزيائيّة التي يصعب بالفعل تصوّرها تصوّراً دقيقاً لغير المتخصّصين في فلسفة الفيزياء.

سنُعرض عن هذا كلّه، ونتّجه صوب المسألة الأهم والأعظم، ألا وهي: كيف يمكن النظر إلى هذه المسألة من نافذة العقيدة؟ وهل تحتوي هذه الفرضيّة على ما يتناقض مع عقيدة المسلم؟ سواءٌ في تفاصيلها أو بُنيتها المعرفيّة؟

حقائق شرعية لابد من استحضارها

حتى نعرف الجواب على الأسئلة السابقة علينا أن نتذكّر سادس أركان الإسلام، وهو الإيمان بالقضاء والقدر، فنستحضر النصوص الشرعيّة التي تبيّن حقيقة الإيمان بهذا الركن، ومن ذلك:
-أن نفساً لن تموت حتى تأخذ رزقها كاملاً غير منقوص، كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن روح القدس نفث في رُوْعي أن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها) رواه البغوي في شرح السنة، والبيهقي في شعب الإيمان، وروح القدس: جبريل عليه السلام، ونفث في رُوْعي: أوحى إليّ ذلك.

-أن مؤمناً مهما كان، لن يعلم ما الذي سيكسبه في المستقبل على وجه اليقين، وكذا لن يعلم أي أرضٍ ستشهد موتَه، قال جلّ جلاله: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} (لقمان:34)، ونستصحب معها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلي الله عليه وسلم - قال: (مفاتيح الغيب خمس، لا يعلمهَن إلا الله: ...-وذكر منها- وما تدري نفسٌ ماذا تَكْسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت) رواه مالك في الموطأ وأحمد في المسند.

-أن الله سبحانه هو المطلّع على الغيب وحده، فلا يعلم ما هو كائنٌ على وجه اليقين إلا الباري سبحانه، وقد قامت البراهين المتكاثرة الدالّة على تفرّد الرّب سبحانه وتعالى بعلم الغيب: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} (النمل:65)، {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا* إلا من ارتضى من رسول} (الجن:26-27)، {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف:188).

- أن معنى القدر شرعاً: هو تقدير الله عز وجل الأشياء في القِدَم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وصفات مخصوصة، وكتابته - سبحانه - لذلك ، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها .

-أن مراتب القدر أربعة:
المرتبة الأولى : العلم، والمراد به علم الله الأزلي بما كان وما يكون ، وبما لم يكن لو كان كيف يكون ,وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ، فلا تخفى عليه خافية ، قال تعالى : {إن الله بكل شيء عليم } (التوبة: من الآية115) .

المرتبة الثانية : الكتابة، والمقصود بها الإيمان أن الله كتب مقادير الخلائق كلها في كتاب عنده ، قال تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام:38) ، وجاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- : (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) رواه مسلم.

المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئته سبحانه ، وأن كل ما يجري في الكون إنما هو بإرادته عز وجل، لا يخرج شيء عنها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} (التكوير:29).

المرتبة الرابعة: الإيمان بأن كل ما في الكون، هو من خلق الله عز وجل وتكوينه، قال تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} (الزمر:62).

نقد مسألة السفر عبر الزمن من منظور شرعي

والآن يأتي السؤال المحوري: كيف يمكن نقد مسألة السفر عبر الزمن إلى الماضي أو المستقبل من خلال المرتكزات العقديّة السابقة؟ وجواب ذلك كالآتي:

السفر عبر الزمن يتناقض مع الإيمان باستيفاء النفس لرزقها

من لوازم القول بالسفر عبر الزمن، أن يؤمن قائلها بالإمكان العقلي أن تموت نفسٌ قبل أن تستوفي رزقها، أو أن تموت نفسٌ فتأخذَ فوق ما كان مكتوباً لها حتى الممات، ويمكن توضيح ذلك بافتراض أن أحداً سافر إلى الماضي فنزع كوب ماءٍ من شخصٍ كُتب عليه الموت في الماضي، وقبل موته أتمّ شُرب ذلك الكأس ثم سقطت عليه قذيفةٌ أودت بحياته، فجائزٌ من خلال مسألة السفر أن يقوم المسافر المستقبلي بانتزاع ذلك الكأس –والذي من المفترض أن يُشرب- قبل سقوط القذيفة، وهذا يتضادّ صراحةً مع الإيمان بلزوم استيفاء النفس لرزقها.

وبالمثل يُقال: بإمكان ذلك المسافر أن يُعطي فقيراً قبل موته مالاً قبل موت الفقير بسكتةٍ قلبيّة، فكيف يُتوهّم إمكان ذلك وعدم استشكاله من منظورٍ عقدي؟

السفر عبر الزمن يتناقض مع قوله تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا}

الإيمان بعدم إمكان معرفة ما هو مكتوبٌ من الرزق في المستقبل، وذلك بتصوّر إمكان سفر شخصٍ في المستقبل، ثم قراءة أو الاطلاع على ما كان مكتوباً من رزقٍ لنفسه أو لغيره في تلك الحقبة الزمنية التي انطلق منها، باعتبار أن ذلك المقروء بالنسبة إلى زمن الوصول المستقبلي: إنما هو تاريخ وماضٍ قد انتهى!، فلو سافر الرجل ألف سنةٍ إلى الأمام، لكان تاريخ سفره في محطّة الوصول يرجع إلى الماضي ألف سنة، وبالتالي فهو تاريخ يمكن الاطلاع عليه، وهذا محالٌ شرعاً، مناقضٌ لمفهوم الآية التي تبتّ وتقطع كلّ أملٍ بإمكان معرفة ذلك، والأمرُ بطبيعة الحال أشمل من مجرّد معرفة الرزق، لأنّ الكسب البشري يُطلق على العباد، فكلّ ما عملوه هو من كسب أيديهم، كما يقول الزمخشري: " وما تدري نفسٌ برّة أو فاجرة ماذا تكسب غداً من خير أو شر، وربما كانت عازمة على خير فعملت شراًّ، وعازمة على شر فعملت خيراً".

السفر عبر الزمن يتناقض مع قوله تعالى: {وما تدري نفس بأي أرض تموت}

وتتضح هذه المسألة بتخيّل مسافرٍ عبر الزمن ذهب إلى المستقبل، ثم هو اختارَ أن يقرأ في سجلاّت الوفاة ويبحث فيها عن تاريخ موته الذي هو بالنسبة لزمن المستقبل: (ماضٍ قد انقضى)، وبذلك يتمكّن هذا المسافر من معرفةِ ما قد أخبر الله تعالى باستحالة معرفته لا لملكٍ مقرّب، ولا لنبيٍّ مُرسل، فكيف يُمكن تصوّر قدرةٍ بشرٍ غيرِ متّصلٍ بالسماء والوحي، القدرةَ على معرفة ذلك؟ الأمرُ مرفوضٌ ولا يمكن قبوله.

السفر عبر الزمن يتناقض مع مفهوم كتابة القدر

حتى يتّضح وجه المناقضة ينبغي استحضار مسألة الكتابة على صورتها التامّة، وهي أن الله تعالى قد كتب كل شيء وقدّره قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة كما في حديث القلم، وهي المذكورة في قوله سبحانه: {وعنده أم الكتاب} (الرعد:59)، وهو ما في اللوح المحفوظ، وإذا أردنا أن نمثّل لما هو مكتوبٌ في اللوح المحفوظ تمثيلاً حسّياً، فيمكننا أن نعبّر عنه بوجود شريط الأفلام، كلّ لقطةٍ منه تحوي أحداثاً بعينها لا يمكن أن تتغيّر؛ لأن هذا الثبات من مُقتضيات ومعاني حفظ (أم الكتاب)، والقول بإمكان السفر عبر الزمن إلى الماضي يقتضي تغيير أحداث هذه (اللقطة)، وهذا ما لا يُمكن حدوثه بطبيعة الحال.

ويمكننا أن نضرب وجهاً آخر سيتضح به وجه التناقض، إذا افترضنا أن الله تبارك وتعالى قد كتبَ على الأعشاب في اللحظة (س) أن تكون مستقيمةً، لعدم وجود رياحٍ أو مؤثّرٍ عليها يُسبب انحنائها كقيام أحدهم بالمشي عليها أو وضعِ شيءٍ ثقيلٍ عليها، ثم أتاها رجلُ المستقبل ليمشي في اللحظة ذاتها على ذلك العشب، فقوانين وسُنن الكون تستلزم انثناء ذلك العشبِ تحت حذاء المسافر نتيجةً طبيعيّة للثُقلِ الحاصلِ عليها، بينما نحن نعلم أن الله قد كتبَ في اللوح المحفوظ عن اللحظة (س) ألا ينثني العُشب فيها، فإذا انثنى أبطلنا مفهوم ثبات القدرِ المكتوب في اللوح المحفوظ.

السفر عبر الزمن يتنافى مع الإعجاز الغيبي

فكرة السفر عبر الزمن تعود إلى الإعجاز الغيبي بالإبطال؛ لأن القادم من المستقبل بإمكانه أن يُخبر عن الأمور المستقبليّة الغيبيّة (والتي هي بالنسبة له من عالم الشهادة)، فلا يكون في إخبار الرّسل عليهم السلام مزيّة أو خصيصةً خرجوا بها عن المألوف، بحيث اعتُبر ما أخبروا به من المستقبل إعجازاً يدلّ على نبوّتهم، كيف وقد قال الله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا* إلا من ارتضى من رسول} (الجن:26-27).

ولعلّ تأمّلاً أكثر في نصوص العقيدة سيعيننا على إيجاد أوجهٍ أكثر للتناقض بين فكرة السفر عبر الزمن ومفهوم القضاء والقدر، وحتى إن تأمّلنا في معاني أسماء الله وصفاته ستفتح لنا آفاقاً أخرى تؤكّد بطلانه واستحالته، ولأجل أن نزيد الأمر وضوحاً وأن نعزّز الرؤية الشرعيّة الرافضة لهذه الفكرة، يحسنُ بنا أن نذكر أوجهاً أخرى، تمّ التوصّل إليها بالنظرِ العقلي والمنطق العلمي، نقتصرُ منها على الآتي:

نقد السفر عبر الزمن من منظورٍ عقلي وعلمي

أولاً: القولُ بإمكان السفر عبر الزمن، يقتضي إمكان حدوث الشيء ونقيضه في ذات اللحظة الزمنيّة، وذلك في مثال (العُشب) الذي ذكرناه قبل قليل، فإننا نفترض أنه كان في اللحظة (س) شامخاً قائماً، وهو كذلك في نفس الوقت: ينثني تحت وطأة الحذاء، ومثالٌ آخر: أن يكون الكائن الحيّ في لحظةٍ ما: حيٌّ يتنفّس، وهو كذلك: ميتٌ برصاصةٍ أُطلقت من المسافر القادم من المستقبل، فالواقع أن الموت والحياة نقيضان لا يمكن اجتماعهما في ذاتٍ واحدة، وفي زمانٍ واحد، ومن جهة واحدة ،هذا محالٌ عقلي يُبطل الفكرة من أساسها.

ثانياً: من المُحال العلمي أن يستطيع الإنسان التواجد في الزمن الماضي، وذلك لسببٍ بسيط، وهو أنه في اللحظة الماضية (س) فإن الهواء (حسب ما هو مرسومٌ له قَدَرَاً) له حراكٌ معيّن، وعليه: لا يمكن للهواء أن يُغيّر اتجاهه لأنه ماضٍ لا يمكن تغيير اتجاهه، وعليه: فإن تواجد أي ذاتٍ في تلك اللحظة في هذا الفراغ المملوء بالهواء مسبقاً أمرٌ لا يمكن أن يقع، ولو افترضنا وقوعه، فإن الأنفَ –بالنسبة لرجل المستقبل- لن تستطيع سحب الهواء لإجراء عمليّة التنفّس، لأن ذلك سيُحدث تغييراً لاتجاه الهواء بغيرِ ما تمّ في الماضي، فضلاً عن إخراج (ثاني أوكسيد الكربون) الناتج عن عمليّة التنفّس والذي سيُحدث خللاً في التوازن الكوني، وهو الأمر الذي أطلق عليه العلماء وعبروا عنه بحماية التسلسل الزمني chronology protection of time.

وأيضاً: فإن المسافر في هذه الحالة الخياليّة، لو مشى على العُشب لوجده حادّاً كالسكاكين، لأنه لم يوجد سببٌ في الماضي يُجبرُ العُشب على الانثناء، كذلك لن يستطيع هذا المسافر تناول أيّ شيء أو الإمساك به، واجتماع هذه العوامل تؤكّد استحالة تواجد شخصٍ في الماضي، مما ينفي هذه الفكرة تماماً.

ثالثاً: وهذا الرّد قدّمه العالم الفيزيائي الملحد المعاصر ستيفن هاوكنج Stephen Hawking حيث اعتبرَ أن مجرّد تصوّر إمكان السفرَ أُحجية فلسفية لا قيمة لها، ولو كان الأمر صحيحًا لوجدنا أفواج المسافرين عبر الزمن من المستقبل أمامنا كل يوم!، فعدم وجود حالةٍ واحدةٍ واقعةٍ يعود لأصل هذه الفكرة بالإبطال.

رابعاً: وهذه النقطة لها علاقةٌ بمسألة الثقب الدودي الذي ذُكرت في بداية الموضوع، فإنها قائمةٌ على فكرة تجسّد الزمان والمكان في حيّزٍ واحد، بينما الواقع أن الزمان هو معنىً مجرّد في الذهن، وليس له (ذات) أو كيانٌ أو وجود مادّي خارج الذهن، حالُه حال (السرعة) و الـ(فوق) و الـ(تحت)، فلا يمكن لأهل الفيزياء أن يأتوا لنا فيقولوا في يومٍ من الأيّام: اكتشفنا كيان الـ(فوق) وأمكننا دراسة خصائص هذا الوجود المادّي له فيزيائياً.

وفي ذلك يقول الدكتور أبو الفداء: " إن المعاني المجرّدة في الذهن التي تعبّر عن علاقات الأشياء بعضها ببعض، لا يُعقل أصلاً أن تتحول إلى كياناتٍ موجودة في الخارج –أي خارج الذهن- تماماً كما ليس هناك شيءٌ في الخارج اسمه: (فوق) وآخر اسمه (تحت)، بحيث نتطلع في يومٍ من الأيام أن ندرس الخصائص الفيزيائية للـ(فوق) والـ(تحت) ونخضعه للاختبار التجريبي، فكذلك يقال في كلٍ من الفراغ والزمان، المعاني اللغوية المجردة لا وجود لها خارج الذهن، وإنما يوجد في الواقع ما تُعبر عنه تلك المعاني من أعيانٍ أو صفاتٍ أو أحوالٍ وعلاقات، فليست تلك المعاني أعياناً في الخارج، ولا هي مقصورةٌ على التعبير في لغة الإنسان عن أعيانٍ في الواقع بالضرورة، فلا يعقل مثلاً أن نتصوّر أن السرعة التي يتحرّك بها جسم ما، يمكن أن نراها في الواقع في يوم من الأيام على هيئة أشرطة أو مسطحات فيزيائية أو نحو ذلك، كما نمثلها رياضياً بالخطوط على الورق، حتى إذا ما أمسكنا بتلك الأشرطة في الواقع مثلاً أمكننا أن نتحكّم في تلك الصفة للجسيم الموصوف بها!! فنحن من الأصل لا نستعمل كلمة سرعة للتعبير عن كيان أو عينٍ واقعية، وإنما نصف بها حالاً متغيرة".

خامساً: أن قبول فكرة السفر عبر الزمن –خصوصاً للماضي- يسوّغ فكرة قبول تأثير المسبَّب –المفعول به- في سببهِ –الفاعل-، كتأثير المقتول في قاتله، وهو عكس ما حصل في الواقع!، وهو ما يُسمّى عند علماء الطبيعة المتأثّرين بهذه الفكرة: انعكاس السببية Backward Causation ، وهذه القضية خلاف نواميس الكون وقلبٌ لها، فكيف يُصبح المفعول به فاعلاً، وكلاهما قد انقضى وانتهى؟

سادساً: للرد على مسألة تباطؤ الزمان Time Dilation التي ذكرها أينشتاين وبيّناها أوّل الموضوع، فالإشكال من ناحية استحالة حدوث ذلك عمليّاً لأن الجسم إذا انطلق بهذه السرعة الفائقة فسوف يتحوّل إلى طاقة، وتتناثر ذرّاته عبر الكون، أما الربط بينها وبين معضلة التوأم twin paradox فهو خطأٌ فادح أُريد به الترويج الإعلامي عند العوام؛ لأن التوأم المسافر بسرعة تقترب من سرعة الضوء لو افترضنا أنّه قرر أن يعود إلى الأرض فستتغيّر سرعته واتجاهه، فلن تنطبق عليه معادلات النسبية الخاصة، وهذا يوضح خطأ فكرة معضلة التوأم من الأساس علميًا ورياضيًا.

ومنها: إذا أمكن تصوّر تباطؤ الزمن بالنسبة لطرفي التجربة، فالواقعُ أن الجميع يشترك في لحظةٍ واحدة اسمها (الآن) وهي مقياسٌ واحدٌ للمسافر نحو السماء، وللثابت في الأرض، ولنا نحن الذين نرصد هذه التجربة الخياليّة، وبالتالي: لا يصح أن يُعقل أن جسماً ما في الفضاء البعيد هو (الآن!) واقعٌ في المستقبل أو الماضي بالنسبة لنا، فهذا تناقضٌ لغوي ومنطقي صارخ، وهو هدمٌ فعلي لمعنى كلمة: (الآن)! لا يحتاج العاقل أن يكون فيلسوفاً حتى يُدرك حقيقةَ تناقضها.

سابعاً: ثمّة مثالٌ شهيرٌ يُطرح في مسألة السفر عبر الزمن، يُسمّى: مفارقة الجد grandfather paradox، وخلاصتها: ماذا لو سافر الحفيد إلى الماضي فقتل جدّه؟ ما الذي سيحدث؟ يشرح د.ميشيو كاكو العالم المتخصّص في مجاله، فيبيّن أن الحفيد اليوم لو امتلك التقنية والطاقة الكافية للسفر إلى الماضي ليقتل جده، فإن قراره اليوم سيجعل (نهر الزمن) ينقسم إلى نهرين في الماضي!!: (نهرٌ زمني) ينجو فيه الجد من الموت وفيه يولد الحفيد، ونهرٌ موازٍ يموت فيه الجد ولن يولد الحفيد، أي أن الكون تناسخ في الماضي إلى نسختين بسبب حادثةٍ ستحدث في المستقبل!، وهذا تناقضٌ عقلي في غاية البطلان.

وأخيراً: فالأمر مربكٌ ومحيّرٌ، ولولا اشتهاره في الأدبيات والإعلام وفي الأوساط العلميّة، ولولا مصادمته لصحيح المعتقد، ما فصّلنا كثيراً في الموضوع لصعوبة إدراك جميع تفاصيله، ونحيل القارئ الراغب في الاستزادة أن يرجع إلى كتاب: "آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين" للدكتور أبو الفداء بن مسعود، ومحاضرات الدكتور الفيزيائي الكبير محمد باسل الطائي المرئيّة حول نقد خرافة السفر عبر الزمن، وبالله التوفيق

6 مايو 2014

أين أنت من القرآن الكريم؟



أين أنت من القرآن الكريم

من نِعم الله تبارك وتعالى على الناس وعلى الجن أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأيَّد الله تبارك وتعالى رسله بالآيات التي نسميها المعجزات، هذه الآيات تدل على صدقهم وعلى أنهم مبعوثون من عند الله تبارك وتعالى، وهذه الآيات ذهبت بذهابهم وماتت بموتهم إلا آية واحدة أبقاها الله تبارك وتعالى إلى يومنا هذا آية أيّد الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم مع كثير من الآيات ولكن كلها ذهبت وبقيت هذه الآية العظيمة الدالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية هي كتاب الله تبارك وتعالى.
هذا الكتاب الذي تعهد الله جلّ وعلا بحفظه وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، هذه الآية التي قال الله تبارك وتعالى عنها: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [قصلت:42]، هذه الآية هي كتاب الله تبارك وتعالى الذي تحدى به الإنس والجن على أن يأتوا بقرآن مثله قال تعالى: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]، ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23]، وسلموا أمرهم لله تبارك وتعالى فكانوا يقرون أن هذا القرآن فوق مستوى البشر، وقال الله تبارك وتعالى مبينًا ذلك: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] وقال عن قوم موسى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [النمل من الآية:14] صحيح أنهم جحدوا بها ولكن استيقنتها أنفسهم فهم يعلمون أنه حق ويعلمون أن البشر لا يستطيعون أن يأتون بمثله ومع هذا جحدوا والعياذ بالله واستكبروا عن أمر الله جل وعلا.
هذا القرآن جاء في فضله أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نذكر بعضها منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يشتد عليه وفي رواية وهو يتتعتع فيه فله أجران»، ويقول صلوات الله وسلامه عليه لأهل الصفّة: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان فيأتي منه بناقتين كوماوين من غير إثم بالله ولا قطيعة رحم؟»، قالوا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه: «فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين خير من ناقتين وثلاثٌ خير من ثلاث وأربعٌ خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل»، آية من كتاب الله يتعلمها الإنسان خير من ناقة كوماوة وآيتان خير من ناقتين وثلاثٌ خير من ثلاث وهكذا، ولكن من يعي وأين من يحرص؟، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار وله جار يسمعه ويقول يا ليت لي مثل ما لفلان فأفعل كما يفعل، ورجل آتاه الله مالًا فهو يسلّطه على هلكته في الحق».
هذا القرآن العظيم أمر الله تبارك وتعالى بتدبره بل نعى الله جل وعلا على من لا يتدبر كتابه فقال الله تبارك وتعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ»، وذكر هذا في آيتين في الآية الأولى قال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82] وفي الآية الأخرى قال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
أعلى القلوب أقفال تمنعها من تدبر القرآن؟ أوجد الناس اختلافًا في كتاب الله تبارك وتعالى؟ أبدًا، ليس على القلوب أقفال وليس في القرآن اختلاف ولكن في الناس إعراض والعياذ بالله، أعرضوا عن كتاب الله جل وعلا، الذي يقول عنه {لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر من الآية:21] وهو جبل حجارة متراكمة بعضها على بعض فما بال قلوب البشر؟ أهي أشد من الجبال؟ إي والله إن من قلوب البشر لما هو أشد من الجبال كما قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة من الآية:74] و{أَوْ} هنا بمعنى بل وهي للإعراض، أي أن هذه القلوب كالحجارة ثم قال الله تبارك وتعالى بل هي أشد قسوة من الحجارة ثم بيّن الله الحجارة وبين أنها تختلف عن القلوب القاسية فقال الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة من الآية:74]، وقلوب بعض العباد أقسى حتى من الحجارة فتسمع آيات الله فلا تتأثر بها فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول عبد الله بن مسعود وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن". وهذا القرآن العظيم تأثر به المشركون، فهذا عتبة بن ربيعة أرسله كفار مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له اذهب إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم انهه عما هو عليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:  يا محمد آذيتنا في أزواجنا وآذيتنا في أولادنا وآذيتنا في أنفسنا فماذا تريد؟ إن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا وإن كنت تريد مالًا جمعنا لك من المال حتى تكون أغنانا وإن كنت تريد جاهًا وجهناك علينا حتى لا نقطع أمرًا حتى نأخذ برأيك وإن كنت تريد زوجة زوجناك أجملها فماذا تريد؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنهى عتبة كلامه فلما انتهى التفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: «أنتهيت يا عم؟» إكرامًا له لكبر سنه، قال:  نعم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فاسمع منّي» فقال: قل، فقرأ عليه أول سورة فُصّلت ولم يتكلم بكلمة من كلام البشر ولكن تكلم بكلام رب البشر سبحانه وتعالى فصار عتبة يسمع وينبهر مما يسمع حتى وضع يديه خلف ظهره وهو يستمع كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى فلما انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى عتبة وقال: «هذا ما عندي»، فرجع إلى كفار مكة وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر فلما دخل عليهم نظروا إليه وإذا هو قد تغيّر فقال بعضهم لبعض:  تالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به.
وهذا الوليد بن المغيرة يصف القرآن الذي يتلوه رسول الله بقوله: إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه لحطم ما تحته وفيه نزل قول الله تبارك وتعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا . وَبَنِينَ شُهُودًا . وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا . سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا . إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ . فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ نَظَرَ . ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ . ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ . فَقَالَ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ . إِنْ هَـٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ . سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:11-26].
وهذا جُبير بن مُطعم يقول:  كنت أطوف بالكعبة فإذا محمد يصلي فاختبأت خلف أستارها فصرت استمع إليه وهو يقرأ سورة الطور فسمعتها فكاد أن يطير قلبي فما ملكت نفسي حتى أنهى قرأتها فجئت وأسلمت.
كم مرة قرأت سورة الطور؟ وكم مرة تأثرت؟ وهذا أبو سفيان ومعه أبو جهل والأخنس بن شُريق جاؤوا والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقرأ القرآن يقوم الليل كما قال الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:1-4]، فكان كفار مكة يأتون ويستمعون إلى قراءة النبي صلوات الله وسلامه عليه خلف الجدار فلما أنهى قراءته انصرفوا في جُنح الليل فرأوا بعضهم فقال بعضهم لبعض:  ويحكم ماذا جاء بكم؟ فقال كل لصاحبه:  جئت لاستمع، قالوا:  فلا تعودوا بعد هذه الليلة فتغروا السفهاء وهكذا ثلاث ليالٍ، ثم في الثالثة لما رأى بعضهم بعضًا تعاهدوا على ألاّ يرجعوا فقالوا: لا تغرون جهّال مكة بمجيئكم وسماعكم لقراءة النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى الصحيح أيضًا أن عمر بن الخطاب ما أسلم إلا لما سمع قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الكعبة لا القصة المشهورة وهي قصة فاطمة بنت الخطاب فإنها قصة ضعيفة والقصة الصحيحة هذه وأن عمر سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ كلام الله تبارك وتعالى عند الكعبة فرجع وأسلم. فهكذا كانوا يتأثرون بقراءة القرآن.
ويذكر عن رجل من قريش أنه علّق أبيات شعرٍ على الكعبة يهجو بها الإسلام ويهجو بها النبي صلوات الله وسلامه عليه ويهجو بها المؤمنين ويهجو بها القرآن فما ملك رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه وأخذته الغيرة فجاء وعلّق بجانبها سورة الرحمن فجاء الكافر من الغد فوجد سورة الرحمن معلّقة فقرأها وأعلن إسلامه فقال لا والله لا يقول هذا إلا إله. هكذا كانوا إذا سمعوا القرآن عرفوا ما فيه وتأثروا به فمنهم من يُؤمن ومنهم من يُعرض لكن الكل يُقر أنه من إله سبحانه وتعالى.
كيف نتأثر بالقرآن؟
1- قال الإمام الطبري رحمه الله: "إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ولم يعلم تأويله فكيف يلتذ بقراءته؟" فلا بد إذا أردنا أن نتأثر بالقرآن أن نتدبر معانيه.
2- كذلك أن نجعل له وقتًا من أوقاتنا، لا تكون قراءة القرآن فقط إذا تأخرت الإقامة (لصلاة الجماعة) بل لا بد أن تجعل له من وقتك، لا أقل من نصف ساعة في اليوم تخصصها لقراءة كتاب الله تبارك وتعالى، ولتدبر معانيه، لا أن تجعل للقرآن وقت الفراغ فقط الذي لا تجد فيه شغلًا بحيث إنك لو شغلت في شيءٍ آخر ما قرأته، بل اجعل له وقتًا دائمًا من كل يوم فعندك أربعٌ وعشرون ساعة في اليوم والليلة.
3- الإكثار من قراءة سير الصالحين وسيدهم رسولكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كان يقرأ ويتدبر صلوات الله وسلامه عليه، ثم نقرأ سير التابعين وأتباع التابعين وغيرهم من علماء السلف. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه قام ليلة كاملة يقرأ آية واحدة {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، أما عن سير الصحابة فهذا أُسيد بن الحضير كان يقرأ القرآن حتى نزلت الملائكة لسماع قراءته، حتى خشي على ولده وترك القراءة فلما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هذه الملائكة نزلت تسمع قراءتك». وهذا سفيان الثوري إمام أئمة أتباع التابعين قام ليلة كاملة يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] يكررها ويتدبرها وينظر في معانيها ويعيش معها ليلة كاملة.
4- كذلك إذا أردت أن تلتذ بقراءة القرآن عليك أن تقرأه القراءة الصحيحة، مطبقًا أحكام التجويد، ومن أهم الأشياء أن تقرأ القرآن على شيخ مُجيد.
5- محاولة التعايش مع أحداث القرآن، عندما تمر بآيات التهديد وآيات الوعيد وكذلك آيات الجنة والنار يجب أن تتأثر بها وأن تتعايش معها، كذلك لما تقرأ سورة آل عمران وسورة الأنفال والأحزاب والمعارك التي تكلمت عنها هذه السور فتعايش معها واستشعر أنك كنت مع النبي صلوات الله وسلامه عليه ومع أصحابه وأنك قاتلت معهم وجاهدت، ولما تقرأ الآيات التي تحث على الإنفاق تذهب وتُنفق كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا فأرعِها سمعك فإما خير يدلّك الله عليه وإما شر ينهاك الله تبارك وتعالى عنه".
6- الانتباه وعدم السرحان، فلا تقرأ القرآن وقلبك لاهٍ عن الله تبارك وتعالى بل إقرأ القرآن وقلبك وذهنك وعقلك معه وكلّك معه.
7- تغنَ بكتاب الله تبارك وتعالى، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس منّا من لم يتغنَ بالقرآن»، فتغنَ به، لا تقرأ القرآن كما تقرأ الصحف اليومية أو أي كتاب آخر، فأذن الله للأنبياء أن يتغنوا بالقرآن، فكان نبي الله داود صلوات الله وسلامه عليه شجي الصوت بالقراءة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي موسى الأشعري «كأن الله أعطاك مزمارًا من مزامير آل داود»، وذلك لحسن صوته.
8- التكرار، كرّر الآية مرة ومرتين وثلاثًا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ آية واحدة في قيام الليل كله.

إن تنصروا الله ينصركم



إن تنصروا الله ينصركم

وعد الله تعالى عباده المؤمنين بأن يمنع عنهم كيد أعدائهم فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده قال الله تعالى:{وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة من الآية:111]، وقال تعالى:{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:6]، فالوعد في هذه الآية بالنصر والتمكين للمؤمنين متحقق لا محالة.
ووعد آخر بالعلو على الكافرين وهزيمتهم قال الله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء من الآية:141]، ولكن لكل واحد من الواعدين شروطًا يتوقف تحققه عليها.

فالآية الأولى تبين أن النصر مشروط بنصرة العباد لله تعالى، ونصرة الله تعني الامتثال التام لما أمر الله به، والاجتناب التام لما نهى عنه، وهي دعوة جرت على ألسنة الرسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف:14]، فعيسى عليه السلام دعا قومه وأتباعه لنصرة الله تعالى.

والآية الأخرى علقت النصر والتمكين بنصرة الله، كما أن الآية التي أخبر الله تعالى فيها بأنه لن يجعل للكافرين علوًا ولا ظهورًا على المؤمنين بينت أن ذلك الكبت للكافرين إنما يكون في مقابل أهل الإيمان والإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالمسلم حتى يكيد الله له ويقويه على أعدائه ويصرف عنه كيدهم لابد أن يوالي الله تعالى حق الولاء، ويقوم بما يجب عليه حق القيام، فمن فرط في نصرة الله تعالى لن ينال من الله عز وجل النصر والتأييد ولذا قال المولى تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

ولاسبيل للمسلم إلى ولاية الله، حتى يكيد له رب العزة كما كاد جل جلاله لأنبيائه ورسله بمن هو أهل للكيد، إلا إذا سار على درب الأنبياء وعمل بتعاليمهم فعندئذٍ لن يتخلف وعد الله تعالى الذي أثبته في كتابه:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ .إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} [الصافات:171-172].

إننا نتساءل اليوم متى نصر الله؟ أما آن لليل أن ينجلي؟ أما آن للفجر أن ينبلج؟ أما آن للقيد أن ينكسر، ولكننا إلا من رحم الله نمدد أمد الليل بمسيرنا عكس جهة الشروق، وذلك بما ندخله في بيوتنا من مفاسد وشرور، ونوغل في البعد بما نطوق به أنفسنا من المعاصي والمخالفات، وندبر عن طريق الفجر والنور بإعراضنا عن منهج الله.

ألا فليعلم من يقع في المخالفات أنه ثقل في موازين الأعداء، خصم على أمته، وليعلم من يعرض عن الطاعات أنه يحدث في جسد الأمة –وهو منها- جراحات غائرة تزيدها إثخانًا وضعفاً، وليعلم من يتغافل عن نصح غيره ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يطيل على الأمة ما هي فيه من الكربات.

إن كل واحد منا مدعو لأن يزن حاله ليعرف هل هو خصم على الأمة، هل هو ثقل في ميزان أعدائها، هل هو سبب في إطالة ليلها بما اقترفت يداه، فما أشقى من شقيت به الأمة وما أسعد من سعدت به الأمة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم

نحو ثورة على الإعلام الفاسد​



نحو ثورة على الإعلام الفاسد​
 


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فمما لا شك فيه أن وسائل الإعلام تلعب دورًا غاية في الخطورة في تشكيل الوعي الذي يكون دائمًا هو الدافع للفعل أو المثبط عنه، وقد علم ذلك جيدًا من بيدهم السلطة والقوة؛ فعملوا على ما يلي:

  1. الإكثار من إنشاء وسائل الإعلام، سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة، إما عن طريق الدولة ومواردها، أو عن طريق التسهيلات الكبيرة التي تقدمها لأصحاب رؤوس الأموال ذوي التوجه العلماني، أو أصحاب التوجه الديني في الظاهر والموالي للسلطات في الباطن، أو على الأقل الساكت عن انتقادها وتوجيه الجماهير لتقويمها.
     
  2. تحسين وتطوير تلك الوسائل الإعلامية، عن طريق ضخ الأموال المخصصة لها، وصناعة الرموز وتنجيمهم، وتنويع المعروض؛ من أخبار وأفلام ومسلسلات ومسرحيات، والأغاني والمسابقات والإعلانات... إلخ.
     
  3. التركيز على الجانب الجنسي بدرجاته المختلفة؛ بداية من مجرد الظهور بالملابس المثيرة للغرائز، مرورًا بالرقصات الخادشة للحياء، ووصولًا إلى مشاهد القبلات والرذيلة الصريحة، تحت اسم العشق أو الحب أو غير ذلك.
     
  4. الإتيان ببرامج دينية موالية للدولة على نفس محطات الرذيلة؛ إضفاءً للشرعية، ومن أجل عدم ظهور تلك المحطات بصورة الشيطان المحضة، فها نحن نحب الدين وليس بيننا وبينه أي عداء!
     
  5. تضمين التوجهات السياسية أو الثقافية العلمانية للدولة من خلال المادة الإعلامية، سواء كانت هذه المادة أخبارًا؛ فيذيعون أخبارًا لم تحدث؛ كقيام جماعة ما بتفجير مكان ما، أو اغتيال شخص ما، من أجل تشويه تلك الجماعة التي تعاديها الدولة لأنها معارضة لسياساتها الفاسدة، أو سواء كانت تلك المادة "فنية" كفيلم أو مسلسل، يكون فيه شخص ملتحٍ ينافق المجتمع ويظهر أمامه بصورة التقي وما هو إلا شيطان يمشي على الأرض، فيأتون به وهو يصلي مع المصلين ثم يختفي ليسرق أموال اليتامى التي يجمعها تحت اسم الصدقات، أو ليقوم ببعض العمليات المسلحة التي يقتل فيها غير مسلمين يصورهم الفيلم بأنهم أسوياء السلوك حريصون على الخير.
     
  6. استغلال وقائع حدثت بالفعل من أجل تحقيق هدف سياسي أو ثقافي؛ سواء بتضخيمها وتسليط الضوء عليها أكثر من الطبيعي، أو اختلاق وقائع أخرى منطلقة من الواقعة الجزئية الصغيرة، وقليل من يسألون عن التفاصيل.

    هذا جزء صغير من بعض صنيع من بيده القوة أو السلطة بالإعلام؛ من أجل أهداف كثيرة قد نستطيع حصرها في هدف كبير واحد، ألا وهو تشكيل الوعي كما سبق، تشكيل الوعي بما لا يتعارض مع توجهات الدولة والسلطة، التي غالبًا ما تكون توجهات فاسدة تحتاج إلى غطاء تجميلي، تحصله الدول عن طريق الكذب في نقل الحقيقة، وتخدير الرأي العام بالتوافه المختلفة التي تلهيه عن قضايا كبيرة تحدث حوله؛ فتجد المشاهد مشغولًا للغاية بحادثة قام بها فصيل سياسي معارض للسلطة، وهي في الحقيقة لم تحدث، أو حدثت ولكن نسبها الإعلام لهذا الفصيل كذبًا، أو تراه مهتمًّا جدًّا بمباراة كرة قدم سوف تقام، أو تجده ينتظر على أحر من الجمر ما سيحدث في الحلقة الجديدة من المسلسل المفضل عنده، لا يتوقف الانشغال عند ذلك فحسب؛ بل يعقبه كلام وحوارات مكثفة حول الحادثة أو المباراة أو المسلسل، مع الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل، وبذلك تمتلئ الحياة بالتوافه وتصرف الإنسان عن الأشياء المهمة لرفعة أمته.

    أما ما تقوم به السلطة من ظلم وعدوان وسرقة وتقصير وقمع، فلا تجده في وعي المشاهد أو يسيطر على تفكيره، وإن تكلم عنه قليلًا لأنه لامسه بنفسه فسرعان ما ينساه بالملهيات والتوافه الأخرى، وتعود حياته لتسير بصورة طبيعية بلا تحرك لإيقاف فساد الدولة بأي طريق متاحة.

    من هنا برزت الحاجة بل الضرورة إلى ثورة على الإعلام الفاسد؛ سواء كان هذا الإعلام هو الإعلام النظامي، أو الإعلام الخاص المشارك في تزييف الوعي، وتشويه الشخصية المسلمة، بل وهدمها.

    سبل مواجهة هذا الإعلام الفاسد كثيرة، ولكني أركز في هذه الأسطر القليلة على جانبين، المقاطعة، وتفعيل الإعلام البديل.

     
  • أما المقاطعة فتكون لوسائل الإعلام تلك على كافة الأصعدة، وتُنشر قوائم تحتويها جميعها على مستوى كل بلد، ويكون النشر في كافة التجمعات الممكنة، من الجامعات، والمدارس، والمساجد، وأماكن العمل، والنوادي، والفنادق، والمقاهي، والإنترنت على المواقع المختلفة وبالبريد الإلكتروني، وغير ذلك، مع أهمية صدور فتاوي للعلماء والمجامع الفقهية الحرة بحرمة مشاهدة تلك القائمة المسماة بكذا، وحرمة نقل الأخبار التي تصدر عنها، وهكذا، ولتكن مثلًا اسمها: "قائمة إعلام الفتنة"، والتي يتم تحديثها كل فترة زمنية معينة، ستة أشهر أو عام مثلًا، وتصدر رسميًّا مختومة باسم حملة المقاطعة، ومذيلة بتوقيعات العلماء والرموز المجتمعية الشريفة وذات التأثير.
     
  • أما الإعلام البديل، أو الصحافة الشعبية، أو إعلام المواطن؛ فالمقصود به: الجهود الإعلامية التي تكون خارج سيطرة الدولة ورأس المال الفاسد؛ مثل: مواقع التواصل الاجتماعي، أو القنوات الفضائية بترددات خارج نطاق تحكم السلطة، أو المنشورات المحلية الورقية.

    وهذه وسيلة غاية في الأهمية قامت بسببها ثورات أسقطت أنظمة مستبدة، وتم الكشف من خلالها عن قضايا فساد كثيرة متورط بها مَن بأيديهم الإعلام الرسمي، وبالتالي لا يسلطون عليها الضوء في إعلامهم؛ مما أدى إلى توقف الفساد في هذه القضايا؛ بل وساعدت تلك الوسائل في منع مجازر كان متوقعًا حدوثها؛ كتلك الفتاة المصرية التي أخرجت هاتفها مستخدمة لبرنامج يسير للبث المباشر على الإنترنت، والذي نقلته عنها مباشرة وسائل إعلام عالمية، مما جعل قوات الشرطة أمام مسجد الفتح برمسيس تتحول من ذئب إلى حمل وديع، وعاملت المحاصرين داخل المسجد بكل رفق، إلى أن غابت عن البث المباشر فأحرقت عشرات منهم داخل سيارة الترحيلات حين غابت الكاميرا!

    إنجازات الإعلام البديل أكثر من أن تُحصى، بإمكانك الآن أن تسجل مقطعًا مرئيًّا تركز فيه على منكر ما بهدف إزالته، حين تنشره على الإنترنت بكل سهولة ليصبح قضية رأي عام؛ ليتم إحراج السلطة على الملأ فتتوقف عنه أو على الأقل تقلل منه.

    كذلك في أي لحظة بإمكانك أن تكتب عن واقعة ما أنت شاهد عيان عليها، قبل أن تلتقطها وسائل الإعلام الرسمية فتزيفها وتحرفها.

    كما تستطيع أن ترد كذب الإعلام الرسمي، وتقف له بالمرصاد وتلتقط أخطاءه؛ لتبين للناس كيف يضللهم الإعلام... إلخ.

    لذلك لابد من نشر ثقافة الإعلام البديل وأهميته، كما ينبغي تدشين دورات تدريبية في مختلف المحافظات والمدن على وسائل الإعلام البديل المختلفة؛ كمواقع البث المباشر من خلال الهاتف، ومواقع التدوين المختلفة، ومواقع المرئيات.

    مع التدريب على الأسس المختصرة للتصوير المرئي والثابت، والبرامج الميسرة التي تعالج تلك الصور وتحررها؛ بحذف الغير لائق مثلًا، أو الكتابة عليها، استعدادًا لنشرها على المواقع المختلفة؛ كذلك التمرين على قواعد تلقي الأخبار، وكيفية صياغتها ونشرها، وهكذا.

    لم أستطع البوح بكل شيء حول هذا الموضوع المهم في هذه العجالة؛ ولكني ألقيت الضوء فقط على الخطوط العريضة له، وعلى القارئ البحث والتنقيب حول تلك الخطوط لتحصيل الإفادة الأكبر، والله الموفق.

13 مارس 2014

الطريق إلى الجنة



- { من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة } [البخاري].
2- { من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة } [البخاري].
3- { من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة } [البخاري].
4- { من صلى البردين دخل الجنة } [البخاري].
5- { من غدى إلى المسجد أو راح أعد الله له نُزله من الجنة كلما غدا أو راح } [البخاري].
6- { من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة } [البخاري].
7- { من صلى اثنتى عشaرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة } [مسلم].
8- { من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة } [مسلم].
9- { من قال مثل ما يقول المؤذن من قلبه دخل الجنة } [أبو داود].
10- { ما من أحد يتوضأ فيُحسن الوضوء ويصلي ركعتين يُقبِل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة } [أبو داود].
11- { من قال رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً،وبمحمد نبياً وجبت له الجنة } [أبوداود].
12- { من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة } [أبو داود].
13- { من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة } [الترمذي].
14- { من مات وهو بريء من ثلاث:الكبر، والغلو، والدَيْن، دخل الجنة } [الترمذي].
15- { من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة } [الترمذي].
16- { من أذّن اثنتى عشرة سنة وجبت له الجنة } [ابن ماجة].
17- { من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة:اللهم أدخله الجنة } [الترمذي].
18- { من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً } [الترمذي].
19- { إن الصدق يهدي إلى البِر وإن البِر يهدي إلى الجنة } [البخاري].
20- { تكفّل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة } [البخاري].
21- { أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام } [الترمذي].
22- { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [البخاري].
23- { إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة } [البخاري].
24- { لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس } [مسلم].
25- { اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة } [البخاري].

4 مارس 2014

رسالة إلى فتاة تعمل بين الرجال




أختي الكريمة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد آلمني جداً أني رأيتك في هذا المكان، تعملين بين الرجال، وسبب ألمي أن هذا الاختلاط خطر عليك للغاية، في دينك وأخلاقك..
لا تتعجلي وتُعرضي عن نصيحتي، وتظني أني أبالغ في ألمي، فإن معي من الأدلة ما فيها البيان الشافي لما أقول، وتذكري أنه لا رابطة تربطني بك إلا رابطة الإسلام، ولست أجني من هذه الكلمات التي أسطرها إليك بأحرف تخرج من قلبي أية فائدة دنيوية، بل إنها تستهلك وقتي وجهدي وتفكيري، فأرجو أن تقدري هذا الموقف مني تجاهك، وتتأملي فيما أقوله مراراً، وستجدين فيه غاية النصيحة لك والإخلاص.
أختي الكريمة!..
إن المرأة مهضومة مظلومة في أي اختلاط لها بالرجال من غير محارمها، فإن عامة الرجال لا تخلو نظرتهم إليها من نظرة شهوانية، ومن زعم منهم غير ذلك فما صدق، فالله خلق في الرجل ميلاً قوياً إلى المرأة، وخلق في المرأة ميلاً قوياً إلى الرجل مع لين وضعف، ومن ثم فأي قرب بينهما في غير النطاق المشروع فهو خطير للغاية، فالشيطان يؤجج الغرائز في هذا الحال، وعادة ما تكون المرأة هي الخاسر في هذه القضية، لأن الرجل لايتحمل تبعات المشكلة كالمرأة، التي عادة ما تتعرض في أية خلطة لها بالرجال إلى متاعب هي في غنى عنها، فالاختلاط قد يفضي إلى هتك العرض وما يتبع ذلك من مآسي كالحمل وظهور اللقطاء، ولأجل هذا حرمه الشارع، والأدلة في هذا المقام كثيرة أذكر منها بعضها:
- قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . فالله تعالى أمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء، فإذا صارت المرأة تعمل إلى جانب الرجل فكيف يمكن له أن يغض بصره؟..
فالمرأة عورة كلها، كما جاء في الأثر، فلا يجوز النظر إليها، وقد قال رسول الله : { يا علي.. لاتتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة } [رواه الترمذي].
فنظرة الفجأة معفو عنها، وهي الأولى، بخلاف الثانية فإنها محرمة، لأنها تكون عن عمد، وقد جاء في الأثر: { العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِجل زناها الخطو } [رواه مسلم].
والنظر زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة، وذلك يفضي إلى تعلق القلب بها ومن ثم الفاحشة، ولاشك أن النظر متحقق في الاختلاط غاية التحقق.
- قال رسول الله : { ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء } [البخاري]، فقد وصفهن بأنهن فتنة على الرجال، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون في مكان واحد؟!.
- أن رسول الله لما بنى المسجد جعل باباً للنساء وقال: { لو تركنا هذا الباب للنساء } [أبو داود]. فكان عمر ينهى عن الدخول من باب النساء، فإذا كان منع الاختلاط في الأبواب فلأن يمنع ذلك في المكاتب من باب أولى..
- وقد أمر رسول الله النساء بأن يمشين في حافة الطريق دون وسطه حتى لايختلطن بالرجال..
- وكان عليه السلام إذا سلم من صلاته ثبت في مكانه مستقبل القبلة ومن معه من الرجال حتى ينصرف النساء ويدخلن بيوتهن، ثم ينصرف وينصرف الناس معه، حتى لايمتد بصر الرجال إليهن.
كل هذه النصوص وغيرها كثير تبين حرمة الاختلاط، وحرمة أن تعمل المرأة إلى جانب الرجل، والعلماء كلهم متفقون على هذا بلا خلاف..
إن المرأة مأمورة بالقرار في البيت، هل تعلمين لماذا؟..
حتى لا تتعرض لأنظار الرجال والاختلاط بهم..
ومن المعلوم أن هتك الأعراض وخراب البيوت وضياع مستقبل الفتاة بالذات وظهور اللقطاء نتيجة طبيعية للاختلاط..
وإن أردت أن تقفي على حقيقة الاختلاط وآثاره فاقرئي مشاكل الاختلاط في الغرب، حتى حدى بهم الأمر إلى الدعوة إلى منعه في التعليم، فأنشئت جامعات ومدارس قائمة على الفصل بين الجنسين في أمريكا وغيرها، ما فعلوا ذلك إلا بعد أن ذاقوا المر والألم من كثرة المفاسد الأخلاقية، أفلا يجب أن نعتبر بهذه الحقائق؟..
أليس من الخطأ أن نكرر نحن المسلمون الأخطاء التي وقع فيها الغرب، وهم اليوم يرجون التخلص منها؟!.
أيتها الأخت!..
أنت أعز ما لدينا.. أنت الأخت والبنت والزوجة والأم.. فمن الواجب أن تكوني عوناً لنا على صيانتك من المخاطر..
أنت نصف المجتمع، وأنت تلدين الآخر..
أنت التي نرجو منك أن تخرجي لنا الأجيال التي تقود الأمة..
فكيف يمكن لك ذلك إذا تركت القرار في البيت، وتركت عمل البيت وتربية النشء والأمومة، وصرت تزاحمين الرجل في عمله؟..
اعلمي رحمك الله، أن الله تعالى ما أمرك بالقرار في البيت إلا رحمة بك: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ..
لأنك إذا خرجت طمع فيك الرجال، وإن شئت أن تتأكدي مما أقول اقرئي كتاب: " عمل المرأة في الميزان"، للدكتور محمد علي البار..
وستجدين فيه الحقائق الجلية بالأرقام والقصص التي تؤكد خطورة ترك المرأة بيتها واختلاطها بالرجال، واعتبري بحال المرأة في الغرب: إنها تشكو ظلم الرجل، تشكو الابتزاز الجنسي في كل مكان، ولاتستطيع أن تفر من واقعها، لأنه لابد عليها من العمل وإلا ماتت جوعا، فهي في ألم وشقاء لاينتهي..
أما أنت فقد أكرمك الله بالإسلام الذي أوجب على الأب والزوج والأخ والابن أن يسعوا عليك بالنفقة، ولم يأمرك الله بالسعي أبدا، فهذه غنيمة أتتك بلا تعب، تمكثين في بيتك كالملكة وغيرك يسعى عليك..
أليست هذه نعمة عظيمة؟..
فلا تغتري ببريق الدنيا وتزيين الشيطان لك بالخروج للعمل، فإنك إن أردت أن تكوني قريبة من الرحمن فكوني في بيتك، قال رسول الله : { المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها } [رواه الترمذي وابن حبان].
واعلمي أيتها الأخت!.. أن أعز شيء لديك هو إيمانك وعفتك، وهو مهدد بالهتك إذا ما اختلطت بالرجال، فابتعدي عنهم ولاتقربي منهم إلا محرماً أو زوجاً، واعلمي أنك في ظل الحجاب والقرار في البيت تنالين أحسن الأزواج خلقاً وغيرة، وإذا بقيت في هذه الأعمال المختلطة فلن تظفرين بالرجل الشهم الغيور..
أيتها الأخت!..
لا تقولي: "أنا قادرة على حفظ نفسي ولو كنت بين الرجال"..
فإن الله ما أمر بغض البصر والفصل بين الذكر والأنثى إلا لعلمه أن الغريزة الجنسية قوة جارفة، والمسلم مأمور بالبعد عن مواطن الفتن، ولايجوز أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، والإنسان إذا جاع لم يقدر أن يمتنع من الطعام، وكذا إذا جاع جنسيا، وفي كل حال إذا ثبت تحريم الاختلاط فإنه يحرم للمرأة والرجل أن يعملا جنبا إلى جنب ولو كانا تقيين، ولا عبرة بخلو النفس من الشهوات أو بقدرة المرأة على حفظ نفسها..
وإن كنت أختي الكريمة في حاجة إلى العمل فليكن بعيداً عن الرجال..
أختي الكريمة!..
لا أدري هل بلغت كلماتي حبة قلبك؟..
وهل استطاعت أن تنفذ في شغافه؟..
أرجو ذلك من كل قلبي، وأدعو الله دعاء المضطر أن يحفظك من كيد الكائدين، الذين يخططون للزج بك في أوحال الرذيلة، وهم في غاية الفرح بما حققوه منك عندما تركت البيت وصرت في محافل الرجال، لأنهم يعلمون أنك مربية الأجيال، فإذا فسدت فسد الجيل، وصارت الأمة لقمة سائغة لأعدائها..
فكلي رجاء أن تعي هذه القضية الخطيرة حق الوعي، وتدركي مقدار الخطر الذي أنت فيه..
وإذا لم تلقي بالا لما قلت ـ ولا أظن هذا منك ـ فلسوف أدعو لك آناء الليل وأطراف النهار، ولن أمل أبدا من الدعاء لك، فأنت أخت لي مهما حصل، وثقتي أنك يوما ما ستعودين إلى رشدك، وثقتي أن الله تعالى لن يضيع جهدي معك هباءً، وما توفيقي إلا بالله..
ولي رجاء إليك أن تكرري قراءة هذه النصحية مرة بعد مرة، من فترة إلى أخرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.